لطالما شغلت الأحلام بأفكارها ومعانيها أذهان الناس على مر آلاف السنين ، فمازالت الأحلام تعتبر إحدى ألغاز النفس البشرية التي حيرت الناس بالرغم من تمكن الطب النفسي من تأويل دلالاتها في نفس الإنسان عندما جاء رائد الطب النفسي فرويد ليترجم معانيها في كتابه "تفسير الأحلام" ، وفي عصرنا الحالي يتعلم الباحثون في علوم الدماغ المزيد عن طبيعة الأحلام.الأحلام ببساطة هي انطباعات وأفكار ومشاعر وأحداث تمر في عقلنا خلال فترة نومنا، والناس عادة يحلمون لمدة تتراوح بين ساعة في ليلة واحدة. فالكل إذن يحلم ولكن البعض فقط يتمكن من تذكر تلك الأحلام. أحلامنا قد تتضمن استخداماً لكل أنواع الحواس ففيها نسمع ونشاهد ونشم وحتى نتذوق الأشياء ، وقد يحدث أن يتكرر نفس الحلم مراراً وتكراراً ، وغالباً ما تكون تلك الأحلام المتكررة غير سارة، فقد تتحول لى كوابيس مفزعة تروعنا أو تبعث الضيق فينا.
تفسير الأحلام : نبذة تاريخية
كان الناس وما يزالون يحاولون معرفة ما ترمي إليه الرموز التي يشاهدونها في أحلامهم، فالقدامى من الإغريق والرومان يعتقدون أنها رسائل من آلهتهم، وأحياناً اعتمدوا على تفسير الأحلام بهدف إرشاد القادة العسكريين في ساحات المعارك. وفي مصر القديمة اعتبر الأشخاص القادرين على فك رموز الأحلام إناساً مميزين. وفي الصين تعتبر الأحلام طريقة لزيارة الموتى من أفراد العائلة. كما يؤمن بعض قبائل الهنود الحمر والحضارات في المكسيك أن الأحلام هي بالواقع عالم آخر نزوره عندما ننام. كما يوجد أمثلة عن رؤيا الأحلام في القرآن الكريم فقد أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبيه إبراهيم (عليه السلام) بذبح ولده إسماعيل فقال إبراهيم {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} وأوحى الله إلى نبيه يوسف عليه السلام فقال {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وقد فسرها يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام بأنها تعني خضوع إخوته وتعظيمهم اياه تعظيما زائدا .كما ورد أيضاً راويات عن أحلام أو رؤى كانت تتنبأ بولادة محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذلك قبل بعثه بزمن طويل، بعض تلك الرؤى تذكر حتى اسمه.
ابن سيرين
يعتبر محمد ابن سيرين ( - 728 م) أحد أشهر مفسري الأحلام في العالم العربي وربما الإسلامي وقد إشتهر بكتابه " تفسير الأحلام" والذي مازال لحد يومنا هذا مرجعاً للعديد من مفسري الأحلام في العالم الإسلامي ، ونذكر من التجارب التي حدثت مع ابن سيرين التي فسرها تفسيراً واضحاً :
- عصفورة / صدقة
يروى أنه في أحد الأيام أتى رجل إلى ابن سيرين و قال له أنه رأى في منامه عصفورة و عندما جاء ليذبحها تكلمت العصفورة و قالت له : " رجاء لا تذبحني " .
وهنا فسر له إبن سيرين المنام وقال له :" إستغفر ربك فتفسير حلمك أنك قد أخذت صدقة لا تحل لك ! " .
فاندهش الرجل من التفسير و إعترف بالفعلة .
- وفاة ابن سيرين
لعل أغرب ما جاء عن سيرة ابن سيرين أنه قبل وفاته بأيام كان جالساً يأكل مع شقيقته فجاءته إمرأة ليفسر لها ما رأته في منامها وعندما أخبرته بالرؤيا ترك ابن سيرين الطعام و تغير لون وجهه فسألته شقيقته : " ما خطبك ؟!" ، فقال لها بهلع : " هذه المرأة تزعم أنني سأكون ميتاً بعد سبعة أيام ! " ، و بالفعل توفي ابن سيرين بعد بضعة أيام من الحادثة ودفن في اليوم السابع !
تجارب ابن سيرين مع التفسير تعتبر كثيرة وخبرته تعتبر لحد الآن الأشهر
- وفي أوائل القرن العشرين أتى عالمان شهيران بأفكار مختلفة غيرت نظرتنا اعن الأحلام وهما رائد الطب النفسي النمساوي سيجموند فرويد وعالم النفس كارل يونغ، نشر فرويد كتاباً بعنوان: " تفسير الأحلام" في عام 1900، يعتقد فرويد أن الناس غالباً ما يحلمون بالأشياء التي يريدونها والتي لا يستطيعون امتلاكها خصوصاً المتعلقة بالرغبات الجنسية والانتقامية. بالنسبة لـ فرويد الحلم مليء بالمعاني الخفية وحاول أن يفهم الأحلام كطريقة لفهم نفسية الناس الذين يشاهدونها ، كما يعتقد بأن كل فكرة و فعل يتولدان أولاً في أعماق عقلنا .والأحلام يمكن أن تكون طريقاً هاماً لفهم ما يحدث في عقلنا.
تجارب العلم
في عام 1953 اكتشف العلماء شكلاً خاصاً من النوم يدعى "حركة العين السريعة" أو اختصاراً بـ REM، فقد لوحظ في التجارب أن العين تتحرك جيئة وذهاباً وبسرعة عند نومنا. كما وجد أن أجسادنا تمر بعدة فترات من النوم كل ليلة وعندما ندخل فترة "حركة العين السريعة" تتوقف أجسادنا عن الحركة ونشاهد خلالها الأحلام، ويمكن أن نمر بعدة فترات "حركة عين سريعة" خلال ليلة واحدة. وفي حال تم إيقاظ شخص أثناء فترة "حركة العين السريعة" فإنه سيتذكر 90% من تفاصيل حلمه وهذا ينطبق أيضاً على الأشخاص الذين لا يتذكرون أحلامهم أبداً.
- العلماء الذين يدرسون الأحلام يقومون بوصل أسلاك على رأس الشخص موضوع التجربة ، تقوم الأسلاك بتسجيل النشاط الكهربائي في الدماغ، وأظهرت التجارب أن هناك ازدياداً ملحوظاً في نشاط منطقة من الدماغ تكون مسؤولة عادة عن المشاعر والأحاسيس عندما نحلم.كما لوحظ أن المنطقة الجبهية من الدماغ سجلت أقل مستوى من النشاط وهي المسؤولة عادة عن المستويات العالية من التفكير كالتنظيم والذاكرة وهذا يفسر لماذا تكون أحلامنا غريبة بعض الشيء أو مستهجنة.
- أفادت دراسة حديثة إن الإنسان يقضي عشر عمره في رؤية الاحلام وهذا يعني ان انسان عمره خمسون عاما قد قضى خمس سنين وهو يحلم ( حوالي 1800 يوم أو 45000 الف ساعة ) وهذه الفترة من العمر يعيش الإنسان بواقع تفاعلي .
تأثير الحلم في الإبداع
قد يأتي الفنانون والأدباء والعلماء بأفكارهم وإبداعاتهم من عالم الحلم ، وقد حدث ذلك فعلاُ لمغني فرقة Bettle الشهيرة باول مكارتني حيث زعم أنه استيقظ في أحد الأيام وكانت أغنية Yesterday الشهيرة ترن في رأسه.وكذلك الكاتبة الشهيرة ماري شيلي حلمت بحلم قوي عن باحث يستخدم آلة بغرض إعادة الحياة إلى مخلوق بشري ميت، فألهمها ذلك الحلم في كتابة راوية عن باحث اسمه فرانكشتاين أعاد الحياة إلى وحش مرعب، أصبحت الرواية شهيرة وتناولتها العديد من أفلام الرعب أو حتى ساعدت كتاب الفيلم في انتاج نسخ مشابهة معتمدة عليها.
أنواع الأحلام من وجهة نظر الدين
يرى الدين الإسلامي أو حتى الأديان السماوية الأخرى أن هناك أربعة أنواع من الأحلام تبعاً لمصدرها:
1- الأحلام التي تكون انعكاس لحالة الشخص النفسية أو الصحية أو الأحداث التي مر بها في حياته.وهنا يمكن تطبيق نظرية فرويد في تفسيرها. ويصطلح على تسمية ذلك النوع بـ "أضغاث أحلام".
2- الأحلام التي تكون رؤية من الله التي ترسل عبر الملائكة بهدف التنبه إلى مخاطر معينة قادمة في الحياة أو التي تسهم في تعديل سلوك الشخص وتجنيبه الإنحراف وهنا يدخل أيضاً تأنيب الضمير ، أو تكون رؤيا سارة أو بشرى للانسان الصالح.
3- الأحلام التي تأتي من الشيطان أو الجن : يمكن أن يكون مرعباً ويتضمن كوابيس ووحوش مخيفة، وقد يتحول إلى حالة مس شيطاني فيتلبس فيه الجن ويقوده إلى الجنون.أو يكون تحت تأثير سحر.
كما يجدر بالذكر أن هناك أحلام غامضة أو مرمزة قد تكشف المستقبل: قد يشاهد فيها الشخص مكاناً لم يزره في الماضي إلا أنه سيزوره في المستقبل، عادة يكون مصدرها مجهولاً. ويمكن أن تكون الأحلام إشباعاً للرغبات الجنسية بسبب التعرض للمؤثرات الخارجية .